كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما إذا نظر بعين البصيرة في المخلوقات وعرف حدوثها وإمكانها، وعرف أن كل ممكن يحتاج إلى الصانع الحق الواجب فكأنه بهاتين المقدمتين قد طالع صفحة الملكوت بعين عقله وسمع بأذن قلبه شهادتها بالاحتياج والانقياد لله، وهذه الرؤية باقية غير زائلة ولا شاغلة عن الله بل هي شاغلة للقلب والروح بالله. وهذه الرؤية وإن كانت حاصلة لجميع الموحدين لقوله: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} [فصلت: 53] إلا أن الاطلاع على تفاصيل آثار حكمة الله تعالى في كل واحد من مخلوقات هذه العوالم بحسب أجناسها وأنواعها وأصنافها وأشخاصها وعوارضها ولواحقها كما هي، لا تحصل إلا لأكابر الأنبياء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في دعائه: «أرني الأشياء كما هي» ثم إن الإنسان في أول استدلاله لا ينفك قلبه عن اختلاج شبهة فيه، فإذا كثرت الدلائل وتوافقت وتطابقت كان لكل واحد منها نوع تأثير وقوة، ويكون جاريًا مجرى تكرار الدرس الواحد وتزداد النفس بكل منها نورًا وإشراقًا وانبساطًا إلى أن يحصل الجزم ويكمل الإيقان وتطلع شمس العلم والعرفان إلى حيث أتيح لها من الارتقاء والتصاعد وذلك قوله: {فلما جن عليه الليل} قال في الكشاف: إنه معطوف على قوله: {وإذ قال إبراهيم} وقوله: {وكذلك نرى} جملة وقعت اعتراضًا بين المعطوف والمعطوف عليه. يقال: جن عليه الليل وأجنه الليل. والتركيب يدور على الستر ومنه الجنة والجن والمجنون والجنين. وقيل: جن عليه الليل أي أظلم عليه ولأجل هذا التضمين عدي ب على. وأما أجنة فمعناه ستره من غير تضمين معنى أظلم. واعلم أن كثيرًا من المفسرين ذكروا أن ملك ذلك الزمان رأى رؤيا وعبرها المعبرون بأنه يولد غلام ينازعه في ملكه. فأمر بذبح كل غلام يولد فحملت أم إبراهيم عليه السلام به وما أظهرت حملها للناس، فلما جاءها الطلق ذهبت إلى كهف في بجبل ووضعت إبراهيم وسدت الباب بحجر فجاء جبريل عليه السلام فوضع أصبعه في فيه فمصه فخرج منه رزقه، وكان يتعهده جبريل عليه السلام وكانت الأم تأتيه أحيانًا وترضعه. وبقي في الغار حتى كبر وعرف أن له ربًا فسأل الأم فقال لها: من ربي؟ فقالت: أنا. فقال: من ربك؟ فقالت: أبوك. فقال لأبيه: من ربك؟ فقال: ملك البلد. فعرف إبراهيم جهلهما بربهما. فنظر من باب ذلك الغار ليرى ما يستدل به على وجود الرب سبحانه فرأى النجم الذي كان أصغر النجوم في السماء فقال: هذا ربي إلى آخر القصة. ثم منهم من قال: كان هذا بعد البلوغ وأوان التكليف، ومنهم من قال: كان هذا قبل البلوغ. وأكثر المحققين على فساد هذا القول لوجوه منها: أن القول بربوبية النجم كفر بالإجماع والكفر لا يجوز على الأنبياء بالاتفاق.
ومنها أن إبراهيم كان قد عرف ربه قبل هذه الواقعة لأن الله تعالى أخبر عنه أنه دعا أباه إلى التوحيد بالرفق مرارًا بقوله: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} [مريم: 42] الآيات. وفي هذا الموضع دعا أباه إلى التوحيد بالكلام الخشن، والدعوة بالرفق مقدمة على الدعوة بالخشونة والغلظة. ومنها أن هذه الواقعة كانت بعد أن أراه ملكوت السموات والأرض بدليل فاء التعقيب في قوله: {فلما جن} ومنها أنه تعالى وصفه بقوله: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات: 84] ومدحه بقوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} [الأنبياء: 5] أي من أول زمان الفطرة. ومنها قوله عقيب هذه القصة {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} ولم يقل على نفسه. ومنها أنه قال بعد القصة {يا قوم إني بريء مما تشركون} مع أنه ما كان في الغار لا قوم ولا صنم. ومنها قوله: {وحاجة قومه} وفيه دليل على أنه إنما اشتغل بالنظر في الكواكب بعد أن خالط قومه ورآهم يعبدون الأصنام ودعوه إلى عبادتها فقال: {لا أحب الآفلين} ردًا وتنبيهًا على فساد قولهم، ويؤكده قوله: {كيف أخاف ما أشركتم} لأنه يدل على أنهم كانوا قد خوفوه بالأصنام كما في قصة هود {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود: 54] ومنها أن تلك الليلة كانت مسبوقة بالنهار، وكان ينبغي أن يستدل أوّلًا بغروب الشمس على عدم إلهيتها ثم يبطل إلهية القمر وسائر الكواكب بالطريق الأولى، ولما لم يكن كذلك علمنا أن المقصود إلزام القوم وإفحامهم. والابتداء بأفول الكوكب لأنه اتفقت مكالمته مع القوم حال طلوع ذلك النجم، ثم امتدت المناظرة إلى أن طلعت الشمس. ثم هاهنا احتمالان: الأول أن يقال إن هذا كلام إبراهيم بعد البلوغ ولكنه ذكره بلفظهم حتى يرجع إليه فيبطله، مثاله: أن يقول في مناظرة من يزعم قدم الجسم: الجسم قديم فإن كان كذلك فلم نشاهده ونراه متركبًا متغيرًا. فقولك الجسم قديم إعادة لكلام الخصم لإلزام الحجة عليه، أو المراد هذا ربي في زعمكم واعتقادكم كقول الموحد للجسم: الإله جسم محدود أي في زعمه واعتقاده. قال تعالى: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي} [القصص: 62] وقال: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] أي عند نفسك. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: يا إله الآلهة في زعمهم أو المراد منه لاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام لدلالة الكلام، أو أضمر القول أي يقولون هذا ربي وإضمار القول كثير {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا} [البقرة: 127] أي يقولان ربنا {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} [الزمر: 3] أي يقولون: ما نعبدهم {إلا ليقربونا} [الزمر: 3] أو ذكر هذا الكلام على سبيل الاستهزاء، أو أنه عليه السلام قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة لم يقبلوا قوله فمال إلى الاستدراج وذكر كلامًا يوهم كونه مساعدًا لهم مع أن إبراهيم كان مطمئنًا بالإيمان فكان بمنزلة المكره على كلمة الكفر حيث لم يجد إلى الدعوة المأمور بها طريقًا سوى ذلك.
وإذا جاز ذكر كلمة الكفر لمصلحة تعود إلى شخص واحد لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106] فلأن يجوز ذكرها لتخليص جم غفير من الكفر والعقاب الأبدي أولى. قالت العلماء: إن المكره على ترك الصلاة لو صلى حتى قتل استحق الأجر. ثم إذا جاء وقت القتال مع الكفار وعلم أنه لو اشتغل بالصلاة انهزم عسكر الإسلام فههنا يجب عليه ترك الصلاة والاشتغال بالقتال حتى لو صلى وترك القتال أثم. وإن من كان في الصلاة فرأى طفلًا أو أعمى أشرف على غرق أو حرق وجب عليه قطع الصلاة لإنقاذهما ومثل هذه الواقعة قوله: {فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم} [الصافات: 88] وذلك أنهم كانوا يستدلون بعلم النجوم على الحوادث المستقبلة فوافقهم إبراهيم على هذا الطريق في الظاهر مع إنه كان بريئًا عنه في الباطن ليتوصل بذلك إلى كسر الأصنام قال المتكلمون: إنه يصح من الله تعالى إظهار خوارق العادات على يد من يدعي الإلهية، لأن صورة هذا المدعي وشكله يدل على كذبه فلا يروج التلبيس ولكنه لا يجوز إظهارها على يد من يدعي النبوّة كاذبًا لأن التلبيس يروج حينئذ فكذا هاهنا قوله: {هذا ربي} لا يوجب الضلال لأن دلائل بطلانه جلية وفي ذلك استدراج لهم لقبول الدليل فكان جائزًا. الاحتمال الثاني: أنه ذكر ذلك قبل البلوغ فلعله خطر بباله لشدة ذكائه قبل بلوغه إثبات الصانع سبحانه فتفكر فرأى النجم فقال: {هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين} ثم إنه تعالى أكمل بلوغه في أثناء هذا الفكر فقال عند أفول الشمس {إني بريء مما تشركون} واعلم أن القصة التي ذكرناها من أن إبراهيم عليه السلام ولد في الغار وتركته أمه وكان جبريل يربيه محتملة في الجملة، لأن الإرهاص- وهو تقديم المعجز على وقت الدعوى- جائز عندنا. ولم يجوّزه القاضي إلا إذا حضر في ذلك الزمان رسول من الله تعالى فتكون تلك الخوارق معجزة لذلك الرسول. قال في الكشاف: فإن قلت: لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال؟ قلت الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب. وأنا أقول: الاحتجاج بالبزوغ في الآية لا يصح لأنه تعالى بين أنه نظر إلى الكوكب وقت كونه طالعًا لا حين بزوغه ليلزم مشاهدة التغير والانتقال، وكذا إلى القمر وإلى الشمس دليله أنه لم يقل رأى القمر يبزغ بل بازغًا.
ولو سلم فإن أحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص والأوساط والعوام، فالخواص يفهمون من الأفول الإمكان فكل ممكن محتاج والمحتاج لا يجوز أن يكون منقطع الحاجات فلابد من الانتهاء إلى الواجب بالذات. وأما الأوساط فإنهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة، فكل متحرك محدث وكل محدث فهو محتاج إلى القديم. وأما العوام فإنهم يفهمون من الأفول الغروب، فكل كوكب يغرب فإنه يزول نوره ويذهب سلطانه ويصير كالمعزول ومن كان كذلك فإنه لا يصلح للإلهية، أقصى ما في الباب أن يقال: إن لها تأثيرات في أحوال العالم السفلى، ولكن تلك التأثيرات لما لم تكن لها بذاتها لزم استناد الكل إلى الواجب سبحانه وهو الإله الأعظم القادر على خلق السموات والنجوم النيرات، فيجب أن يكون قادرًا على خلق البشر وعلى تدبير السفليات بالطريق الأولى فلا يلزم من وضع الواسطة رفع المبدإ بحال، ويعلم من قوله: {لا أحب الآفلين} أنه تعالى ليس بجسم وإلا كان غائبًا عنا فكان آفلًا، وإنه لا يصح عليه المجيء والذهاب والنزول والصعود ولا الصفات المحدثة. وفيه أن معارف الأنبياء استدلالية لا ضرورية وأنه لا سبيل إلى معرفته تعالى إلى النظر والاستدلال. أما قوله: {فلما رأى القمر بازغًا} يقال بزغ القمر أو الشمس إذا ابتدأ بالطلوع. وأصل البزغ الشق كأنه بنوره يشق الظلمة شقًا قاله الأزهري. وفي قوله: {إن لم يهدني ربي} إشارة إلى أن الهداية ليست إلا من الله تعالى. والمعتزلة حملوها على التمكين وإزاحة الأعذار ونصب الدلائل، وزيف بأن كل ذلك كان حاصلًا فالهداية التي كان يطلبها بعد ذلك لابد أن تكون زائدة عليها {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي} أراد هذا الطالع أو هذا المرئي، أو ذكر بتأويل الضياء والنور، أو باعتبار الخبر وهو رب مع رعاية الأدب وهو ترك التأنيث عند اللفظ الدال على الربوبية كما لم يقولوا في صفة الله علامة وإن كانت بتاء مبالغة {هذا أكبر} أي أكبر الكواكب جرمًا ونورًا، وقد برهن في الهيئة على أنها مائة وستة وستون مثلًا لكرة الأرض كلها. وإنما لم يقتصر على ذكر الشمس أوّلًا مع أنه يلزم منه عدم ربوبية ما دونها من القمر والكواكب، لأنه أراد الأخذ من الأدون إلى الأعلى لمزيد التقرير والتصوير {يا قوم إني بريء مما تشركون} قيل: لا يلزم من نفي ربوبية النجوم نفي الشريك مطلقًا. والجواب أن القوم لم ينازعوه إلا في الصور المذكورة، فلما أثبت أنها ليست أربابًا ثبت بالاتفاق نفي الشركاء على الإطلاق. ومعنى {وجهت وجهي للذي فطر} وجهت عبادتي لأجله فإن من كان مطيعًا لغيره منقادًا لأمره فإنه يوجه وجهه إليه، فجعل توجيه الوجه إليه كناية عن الطاعة. وأصل الفطر الشق يقال: تفطر الشجر بالورق والورد إذا أظهرهما، والحنيف المائل عن كل معبود سوى الله تعالى.
قال أبو العالية: الذي يستقبل البيت في صلاته.
ثم إن قومه حاجوه متمسكين بالتقليد تارة كقولهم: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22] وكقولهم للرسول صلى الله عليه وسلم {أجعل الآلهة إلها واحدًا إن هذا لشيء عجاب} [ص: 5] ومخوّفين إياه بالأصنام أخرى فأجابهم بقوله: {أتحاجوني في الله وقد هدان} أي لما ثبت بالدليل الموجب للهداية صحة قولي فكيف ألتفت إلى حجتكم الواهية؟ {ولا أخاف ما تشركون به} لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر {إلا أن يشاء} إلا وقت مشيئة {ربي} شيئًا يخاف. فحذف المضاف أي إلا إن أذنبت فيشاء إنزال العقوبة بي، أو إلا أن يريد ابتلائي بمحنة، أو إلا أن يمكن بعض تلك الأصنام من ضري مثل أن يرجمني بكوكب، أو كان قد أودع فيها طلسم فيصيبني مكروه من جهته بإذن الله تعالى، وفائدة الاستثناء أنه لو حدث به شيء من المكاره في الأيام المستقبلة لم يحمله الحمقى والجهلة على قدرة الأصنام {وسع ربي كل شيء علمًا} فلا يفعل إلا الخير والصلاح {أفلا تتذكرون} أن نفي الأنداد عن رب الأرباب لا يوجد حلول العقاب ونزول العذاب، وأن الصحيح لا يساوي الفاسد، والعاجز لا يساوي القادر؟ ثم أكد ذلك بقوله: {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا} إذ لا سلطان فينزل. وقيل: إنه لا يمتنع عقلًا أن يؤمر باتخاذ تلك التماثيل والصور قبلة للصلاة والدعاء، ولكنه لم يؤمر به. والمعنى ما لكم تنكرون على الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم إلا من في موضع الخوف؟ ثم قال: {فأي الفريقين} يعني فريقي المشركين والموحدين. ولم يقل فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم اجتنابًا عن تزكية نفسه. والغرض إني أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله: {الذين آمنوا} الآية، والمعنى أن الذي حصل لهم الأمن المطلق هم المستجمعون لكمال القوة النظرية وسنامه الإيمان، ولكمال القوة العلمية وهو وضع الأشياء في موضعها وإليه الإشارة بقوله: {ولم يلبسوا} أي لم يخلطوا إيمانهم {بظلم}. قالت الأشاعرة: شرط في الإيمان الموجب للأمن عدم الظلم، ولو كان ترك الظلم داخلًا في الإيمان لم يكن لهذا التقييد فائدة فثبت أن الفاسق مؤمن. وقالت المعتزلة: شرط في حصول الأمن حصول الأمرين: الإيمان وعدم الظلم. فوجب أن لا يحصل إلا من للفاسق وذلك يوجب حصول الوعيد له أبدًا. وأجيب بأن الظلم هاهنا الشرك لقوله: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] واجتماعه مع الإقرار بالصانع ممكن وحينئذ يصح إطلاق اللبس بمعنى الخلط ويكون المراد: الذين آمنوا بالله ولم يثبتوا له شريكًا في المعبودية، ويؤيده أن القصة وردت في نفس الأضداد والأنداد.
وأيضًا لا يلزم من عدم الأمن المطلق حصول القطع بالعذاب الأبدي. واعلم أن المحاجة في الله تارة تكون موجبة للذم والإنكار كمحاجة قوم إبراهيم، وتارة تكون موجبة للمدح وذلك إذا كان الغرض تقريرًا لدين الحق والمذهب الصدق كمحاجة إبراهيم من قوله: {فلما جن عليه الليل} إلى هاهنا وإليها الإشارة بقوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم}.
أرشدناه إليها ووفقناه لها {نرفع درجات من نشاء} من قرأ بالإضافة فظاهر لأنه رفع يتعدى إلى واحد، ومن قرأ بالتنوين فيكون كقوله: {ورفع بعضهم درجات} [البقرة: 253] وقد تقدم في البقرة، واختلف في تلك الدرجات فقيل: أعماله في الآخرة، وقيل: تلك الحجج درجات رفيعة لأنها تقتضي ارتفاع الروح من حضيض العالم الجسماني إلى أعلى العالم الروحاني، وقيل: نرفع من نشاء في الدنيا بالنبوة والحكمة، وفي الآخرة بالجنة والثواب. أو نرفع درجات من نشاء بالحكمة والعلم {إن ربك حكيم عليم} فيرفع الدرجات بمقتضى الحكمة والعلم لا لموجب التشهي والشهوة. اهـ.